بزوغ عهد جديد في مجال علاج السرطان

February 12, 2024 | دبي، الإمارات العربية المتحدة
A new era in tackling cancer

يشهد مضمار البحث العلمي تطورات مذهلة بإمكانها أن تحدث تغيرات جذرية في سعينا نحو مكافحة السرطان. على الرغم من ذلك، تتطلب مواجهة التحديات التي يفرضها هذا المرض بذل جهود مضنية خارج جدران المختبرات.

السرطان … أحد أكبر المخاطر الصحية التي يواجهها العالم اليوم. فهو ينطوي على تأثيرات مدمرة بالنسبة للمريض وأسرته، ناهيك عما يسببه من مشكلات بالنسبة لأنظمة الرعاية الصحية واقتصادات الدول.

فبلغة الأرقام، يعد السرطان ثاني المسببات الرئيسة للوفاة في جميع أنحاء العالم. ففي عام [1]2020، أودى السرطان بحياة عشرة ملايين شخص – ويعني ذلك أنه كان مسؤولاً عن حالة وفاة من بين كل ست حالات. وتجدر الإشارة إلى أن العام نفسه سجل حوالي 18.1 مليون حالة سرطان جديدة على مستوى العالم: 9.3 مليون حالة منها بين الرجال و8.8 مليون حالة بين النساء.

وتعد تكلفة رعاية مرضى السرطان جد باهظة، ومن المتوقع أن تتجاوز 240 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030[2] في الولايات المتحدة وحدها. من ناحية أخرى، ينطوي السرطان على تبعات سلبية تطول اقتصادات الدول نظراً لتأثيراته على الموارد المالية للأفراد وقدرتهم على العمل. وقد تناولت إحدى الدراسات التي صدرت عام 2023 التكلفة الاقتصادية لـ 29 حالة سرطان في 204 دولة ومنطقة، بناءً على خسائر الإنتاجية وتكلفة العلاج[3]. وذهب الباحثون إلى أنه خلال الفترة ما بين عامي 2020 و2050، من المنتظر أن يكلف السرطان الاقتصاد العالمي حوالي 25.2 تريليون دولار أمريكي – وهو ما يعادل ضريبة سنوية على الناتج المحلي الإجمالي العالمي تقدر ب 0.55%.

من يصاب بالسرطان؟

ذكرت في إحدى المقالات السابقة التي تناولت مكافحة السرطان أن مصطلح “السرطان” لا يشير إلى حالة مرضية واحدة وحسب، بل يصف مجموعة كبيرة من الأمراض التي تحدث عندما تبدأ الخلايا في النمو بشكل غير طبيعي وتغزو أجزاء أخرى من الجسد، فيطول تأثيرها العديد من الأعضاء والأنسجة المختلفة. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية WHO، تمثلت الأسباب الأكثر شيوعاً للوفاة بالسرطان خلال عام 2020 في: سرطان الرئة (1.8 مليون)، ثم سرطان القولون والمستقيم (916 ألفا) فسرطان الكبد (830 ألفا)[4].

وقد لوحظ أن مرض السرطان غالباً ما ينتشر في البلدان الغنية. ويظهر ذلك جلياً عند مقارنة معدلات الإصابة بالمرض- وفقا للفئة العمرية – في مناطق مختلفة باستخدام مؤشر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة. فتظهر إحصائيات المرصد العالمي للسرطان (GCO) أنه خلال عام 2020، سجلت المناطق التي يرتفع فيها مؤشر التنمية البشرية بشكل ملحوظ حوالي 9 مليون حالة سرطان، مقارنة بحوالي 650 ألف حالة في المناطق ذات مؤشر التنمية البشرية المنخفض. كما كان هناك فارق كبير بين المعدلات المعيارية للعمر: كانت هناك 295.3 حالة إصابة بالسرطان لكل 100 ألف شخص في البلدان المتقدمة، مقارنة بـ 115.7 حالة في البلدان التي تتراجع بها معدلات التنمية [5].

وبالنظر إلى كل بلد على حدة، نرى أن البلدان الثلاثة التي ارتفعت فيها حالات السرطان خلال عام 2020 بالترتيب هي: الدنمارك (334.9 لكل 100.000 شخص)، تليها أيرلندا (326.6) ثم بلجيكا (322.8). في الوقت نفسه، شوهدت أدنى المعدلات المعيارية للعمر في النيجر (76.4 لكل 100.000 شخص)، وجامبيا (79.3)، ونيبال (80.0)[6].

اتجاهات عالمية

تشهد معدلات الإصابة بمرض السرطان ارتفاعاً ملحوظاً في جميع أنحاء العالم. وتشير البيانات الصادرة عن مكتب التنسيق العالمي إلى أنه بحلول عام 2040، من المنتظر أن يصل عدد حالات الإصابة إلى 29 مليوناً.

ونظراً لأن خطر الإصابة بمرض السرطان يزداد بشكل كبير مع التقدم في العمر، فإن البعض يعتبره مشكلة تبرز بشكل أساسي في المجتمعات الغنية حيث يرتفع معدل عمر الإنسان. لكن هذه الفكرة تبدو الآن بالية، إذ أكدت بيانات مكتب التنسيق العالمي أن معدلات تشخيص الإصابة بمرض السرطان قد ارتفعت بشكل ملحوظ في البلدان الأقل نمواً.[7]

والجدير بالذكر أنه في عام 2010 سلطت مارجريت تشان، المدير العام للأمم المتحدة آنذاك، سلطت الضوء على التحديات الناجمة عن تحول عبء مرض السرطان من البلدان الغنية إلى البلدان الأقل ثراء[8]. وشددت تشان على أن حوالي 70% من الوفيات الناجمة عن السرطان في جميع أنحاء العالم كل عام تحدث في العالم النامي، وأوضحت أن “المرض الذي كان يرتبط فيما مضى بالثراء بات يلقي بظلاله القاتمة على الفقراء والمحرومين”.

والمشكلات التي تحدثت عنها تشان قبل أكثر من عقد من الزمان تتفاقم. إذ يؤكد الصندوق العالمي لأبحاث السرطان أن حالات الإصابة والوفيات الناجمة عن السرطان تتزايد بشكل ملحوظ في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ويحدث ذلك بشكل متسارع في البلدان التي تتراجع بها مؤشرات التنمية البشرية. ووفقاً للمرصد العالمي للسرطان، من المنتظر أن تسجل معدلات الإصابة بالسرطان والوفيات الناجمة عنه في البلدان التي تتراجع بها مؤشرات التنمية البشرية زيادة تفوق الـ 90% خلال الفترة الممتدة بين عامي 2020 و2040، مقارنة بزيادات أقل بكثير (32.2% و42.5% على التوالي) ستشهدها البلدان التي ترتفع فيها مؤشرات التنمية البشرية.[9]

وقد مثلت الشيخوخة وانتشار أنماط الحياة غير الصحية اثنين من أبرز العوامل الرئيسة للإصابة بالمرض التي تم تسليط الضوء عليها – وكلاهما لا يزال مهماً للغاية. ويعني ارتفاع متوسط عمر الإنسان في جميع أنحاء العالم زيادة خطر الإصابة بمرض السرطان. وبينما يتزايد الوعي بأهمية المحافظة على نمط حياة صحي من أجل الوقاية من الأمراض في العديد من البلدان الأكثر ثراء، يزداد معدل بعض المشكلات مثل التدخين والسمنة في العالم النامي.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية[10]، يعيش 80% من المدخنين – والبالغ عددهم عالميا 1.3 مليار مدخن – في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وبينما يوضح تقرير صادر عن معهد التنمية الخارجية أن عدد من يعانون من السمنة المفرطة في البلدان الفقيرة يبلغ ضعف عدد من يعانون من هذه الحالة في البلدان الغنية[11]، تؤكد منظمة الصحة العالمية أن معدلات زيادة الوزن والسمنة آخذة في الارتفاع الآن في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وخاصة في المناطق الحضرية. ومنذ عام 2000، ارتفع عدد الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من زيادة الوزن في أفريقيا بنسبة 24% تقريباً. أما في عام 2019، لوحظ أن ما يقرب من نصف الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة يعيشون في آسيا.[12]

وتمثل صعوبة الحصول على خدمات الرعاية الصحية – ويشمل ذلك فحوصات مرض السرطان وعلاجه – عاملاً أساسيا مهماً. ففي العام الماضي، أكد الباحثون الذين قاموا بدراسة هذا الأمر أن: “معدل البقاء على قيد الحياة بالنسبة لمصابي السرطان قد تراجع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ويعزى ذلك إلى افتقار تلك البلدان إلى برامج الكشف المبكر عن الأمراض والوقاية منها والعلاج ميسور التكلفة، والبنية التحتية اللازمة للأورام”.[13]

وثمة اتجاه آخر جدير بالملاحظة، وهو ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان بين فئة الشباب. ففي إحدى الدراسات الصادمة التي صدرت في العام الماضي في مجلة BMJ Oncology Journal، لاحظ الباحثون زيادة بنسبة 79٪ في حالات الإصابة الجديدة بالسرطان بين من تقل أعمارهم عن 50 عاماً على مدى العقود الثلاثة الماضية[14].

وبينما يمثل سرطان الثدي النسبة الأكبر من حالات الإصابة بين الشباب، لوحظت أسرع معدلات الزيادة في سرطانات القصبة الهوائية والبروستاتا. ومما يثير القلق أن الباحثين توقعوا أن تزداد حالات الإصابة المبكرة بالسرطان بنسبة 31% بحلول عام 2030، وسيمثل من هم في الأربعينيات الفئة الأكثر عرضة للخطر.

الوقاية والعلاج

لا تزال أسباب زيادة معدلات الإصابة بمرض السرطان بين الشباب غير مفهومة بالكامل. لكن الباحثين في المجلة الطبية البريطانية BMJ المعنية بالأورام سلطوا الضوء على بعض العوامل التي ترتبط بنمط الحياة، مثل النظام الغذائي، والتي قد تعد من أسباب هذه الظاهرة.

وترتبط هذه العوامل بالعديد من حالات السرطان الأخرى. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن ما بين 30% إلى 50% من حالات السرطان يمكن الوقاية منها. كما تؤكد المنظمة على أهمية التصدي لعوامل الخطر التي تشمل استهلاك الكحول والتدخين والسمنة وعدم ممارسة الأنشطة البدنية. وتجدر الإشارة إلى أن حالات العدوى والتلوث البيئي والتعرض للإشعاع والمواد المسرطنة (مثل الأسبستوس) داخل بيئة العمل من شأنه الاسهام في زيادة احتمالية الإصابة بمرض السرطان.

وإلى جانب التصدي لمثل هذه الأمور، تعد التدخلات الطبية التي تشمل الفحوصات الخاصة بمرض السرطان وعلاجه جد مهمة. وتشمل خيارات العلاج: التدخل الجراحي والعلاج بالأدوية والعلاج الإشعاعي. وتتفاوت فاعلية هذه الخيارات وفقاً لنوع السرطان المستهدف. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن العديد من أنواع السرطان المنتشرة (مثل سرطان الثدي، وسرطان القولون والمستقيم، وسرطان عنق الرحم، وسرطان الفم) ” يمكن الشفاء منها بنسبة كبيرة إذا ما تم اكتشافها مبكراً وعلاجها وفقا لأفضل الممارسات”.[15]

خلايا الدم للوكيميا. صورة مجهرية إلكترونية ماسحة ملونة لخلايا الدم الحمراء (كريات الدم الحمراء، باللون الأحمر) وخلايا الدم البيضاء الليمفاوية (باللون الأبيض) حقوق الصورة © Steve Gschmeissner / مكتبة الصور العلمية مأخوذة من مريض مصاب بسرطان الدم الليمفاوي الحاد.

وفي العديد من المناطق، يسهم تشخيص مرض السرطان وعلاجه بشكل أفضل، وكذا الوقاية منه، في تراجع عدد الوفيات بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، أوضح أحد التقارير الصادر عام 2023 عن جمعية السرطان الأمريكية أن معدل الوفيات الناجمة عن الإصابة بمرض السرطان في الولايات المتحدة قد تراجع بمقدار الثلث (33%) منذ عام [16]1991. وبالإضافة إلى مكافحة التدخين واستخدام طرق أفضل في إجراء الفحوصات، أكدت المجلة أن كل هذا التقدم الذي تم إحرازه إنما “يعكس التقدم في مسار العلاج”. وتحديداً، سلط التقرير الضوء على تأثير التقدم في مضمار العلاج في تراجع معدلات الوفيات الناجمة عن سرطان الدم، وسرطان الجلد، وسرطان الكلى، وسرطان الرئة بشكل سريع.

 التطورات البحثية الجديدة

يشهد مضمار بحوث علاجات مرض السرطان تطورات لا تنقطع. وقد لاحظنا في السنوات الأخيرة تسارع وتيرة العمل مما أعطى بصيصاً من الأمل لمرضى السرطان.

وقد أوضح أحد المقالات الذي صدر في صحيفة نيويورك تايمز في عام 2023 أن تطوير أدوية السرطان يحدث الآن بشكل سريع حتى أنه بالنسبة لبعض المرضى بات “يتجاوز نمو الخلايا السرطانية داخل أجسامهم”، مما يجعل مرض السرطان “أشبه بمرض مزمن لا مرض كارثي يباغت المريض فيقضي عليه[17]“.

ولا يعزى ذلك إلى عمل أحادي، بل إلى مجموعة متنوعة من التطورات التي تتراجع معها معدلات وفيات مرضى السرطان بفضل التقنيات المستحدثة. فحتى وقت قريب، كان البعض يعتقدون أنه من المستحيل علاج المرضى المصابين بالسرطان إذا ما انتشر المرض إلى أجزاء أخرى من الجسد. ولكن اليوم يتحقق الشفاء الكامل لبعض المرضى بسبب بعض العقاقير الجديدة، ويمكن للبعض الآخر الانتصار على المرض بفضل الاكتشافات الجديدة التي نشهدها كل يوم.

فما هي هذه التطورات؟

ظلت العديد من علاجات السرطان فيما مضى تعتمد على العلاج الكيميائي أو العلاج الإشعاعي، حيث يتم استخدام الأدوية أو الإشعاع على التوالي لقتل الخلايا السرطانية. قد تكون هذه العلاجات فعالة، لكن نجاحها يعتمد في الأساس على نوع السرطان ومدى تطوره داخل جسد المريض. وتنطوي كلتا الطريقتين على آثار جانبية كارثية إذ تتسببا في إتلاف الخلايا السليمة أيضاً.

وفي المقابل، ثمة العديد من التطورات الحديثة والمذهلة التي شهدناها في مضمار علاج السرطان والتي تعتمد على العلاج المناعي – ونعني هنا تسخير قوة الجهاز المناعي في الجسم لتدمير الخلايا السرطانية.

وتمثل مثبطات حواجز المناعة مثالاً لهذه التقنيات. يشتمل الجهاز المناعي على “حواجز” يتمثل دورها في منع الجهاز المناعي من مهاجمة الخلايا السليمة، وتستفيد بعض الخلايا السرطانية من هذه الخاصية في الهروب من دفاعات الجسم. ويتمثل عمل هذه المثبطات أيضاً في السماح لجهاز المناعة بالتعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها. وقد تمت الموافقة على أول دواء من هذا النوع في عام 2011، ومنذ ذلك الحين انضم إليه العديد من الأدوية الأخرى. ويؤكد المعهد الوطني للسرطان التابع للحكومة الأمريكية أن الأدوية المثبطة لحواجز المناعة يمكن استخدامها في علاج العديد من أنواع السرطان المختلفة بما في ذلك سرطان الثدي وسرطان الرئة وسرطان المستقيم[18] – وقد استطاعت تلك العلاجات أن تحقق نجاحاً مذهلاً بالفعل بالنسبة لبعض المرضى. ففي إحدى التجارب التي أجريت في الولايات المتحدة خلال عام 2022، اختفى المرض تماماً من 14 مريضاً كانوا مصابين بسرطان المستقيم، بعد أن تم إعطاؤهم مثبطات حواجز المناعة – ولم تكن هناك حاجة للتدخل الجراحي أو العلاج بالإشعاع أو اللجوء للعلاج الكيميائي[19].

وثمة تطورات أخرى مذهلة في مضمار العلاج المناعي. وتقع علاجات الخلايا بالتبني ضمن هذه التطورات. حيث يتم استخدام الخلايا المناعية الخاصة بالمريض في محاربة السرطان – ويحدث ذلك في بعض الأحيان من خلال زيادة عدد هذه الخلايا، أو عن طريق تعديلها وراثياً لغرض تعزيز قدراتها.[20]

وتشمل هذه التقنيات أيضا علاجات الخلايا التائية باستخدام مستقبلات المستضد الخيمرية والمعروفة اختصاراً ب CAR، وتشمل هذه التقنية تحديد الخلايا التائية واستخلاصها وتعديلها قبل غرسها مرة أخرى في دم المريض. وقد تم استخدام هذه التقنية بنجاح في علاج المرضى الذين يعانون من بعض أنواع سرطان الدم. على الرغم من ذلك، ناشدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) مؤخراً العديد من صانعي الأدوية توخي الحذر من أن علاجات الخلايا التائية باستخدام مستقبلات المستضد الخيمرية يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالسرطان الثانوي، إلا أنها أشارت أيضا إلى أن الايجابيات لا تزال تفوق المخاطر[21]. ووفقًا لدراسة حديثة، من المتوقع أن ينمو سوق علاجات الخلايا التائية باستخدام مستقبلات المستضد الخيمرية بمعدل “هائل” خلال السنوات القادمة.[22]

العلاج بالخلايا التائية. صورة مجهرية إلكترونية ماسحة ملونة ومركبة للخلايا التائية (الصغيرة ذات الشكل الدائري) وخلية سرطان عنق الرحم. الخلايا التائية من مكونات جهاز المناعة في جسم الإنسان. وفي العلاج بالخلايا التائية بمستقبلات المستضد الخيميرية (CAR) تؤخذ الخلايا التائية من مجرى دم المريض وتعاد برمجتها للتعرف على بروتين معين موجود في خلايا سرطان عنق الرحم. ثم يتم إعادة إدخال الخلايا التائية إلى دم المريض فتجد الخلايا السرطانية وتهاجمها. على الرغم من ضعف إمكانات العلاج بالخلايا التائية بمستقبلات المستضد الخيميرية في الأورام الصلبة، إلا أن إمكاناته الهائلة في التعامل مع أورام الدم تجعنا نستبشر له بمستقبل واعد في مجال علاج الأورام الصلبة، بما في ذلك سرطان عنق الرحم. وسرطان عنق الرحم عبارة عن مرض تتشكل فيه خلايا سرطانية خبيثة في عنق الرحم عند الأنثى، وهو أكثر الأورام الخبيثة شيوعاً في الجهاز التناسلي للأنثى.
حقوق الصورة © Steve Gschmeissner / مكتبة الصور العلمية

وتعد اللقاحات التي تحفز جهاز المناعة للتعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها مجالاً آخر من مجالات الأبحاث المناعية التي تحظى باهتمام متزايد. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، أعلنت حكومة المملكة المتحدة عن شراكة هائلة مع الشركة الألمانية BioNTech ــ والتي طورت فيما سبق لقاحاً رائداً لكوفيد-19 بالتعاون مع شركة فايزر ــ والتي تهدف إلى تزويد ما يصل إلى 10 آلاف مريض بـ “علاجات مناعية دقيقة للسرطان” بحلول عام 2030[23]. ومن المنتظر أن تقوم BioNTech بإنشاء مختبرات جديدة في المملكة المتحدة لغرض دعم تطوير مثل هذه العلاجات.

وبعيد عن عالم المناعة، هناك مجال واعد آخر لأبحاث علاج السرطان يتمثل في قرائن الأجسام المضادة والأدوية، والمعروفة اختصاراً بـ ADCs. ويجمع هذا النوع من العلاجات بين القوة التدميرية التقليدية للعلاج الكيميائي والأجسام المضادة التي تستهدف الخلايا السرطانية على وجه التحديد. ويعني ذلك أن العلاج الكيميائي يركز بشكل خاص على الخلايا السرطانية، وهو ما يساعد على تجنب الآثار الجانبية الضارة. ويتزايد الاهتمام بتقنية قرائن الأجسام المضادة والأدوية بسرعة. وقد تم استخدامها بنجاح في علاج سرطان الثدي.[24] واعتباراً من أكتوبر 2023، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على استخدام 15 نوعاً مختلفاً منها.[25]

ويبدو أن شركات تصنيع الأدوية ترى إمكانات كبيرة في هذا النوع من العلاجات. ففي أوائل عام 2024، أعلنت شركة جونسون آند جونسون أنها ستستحوذ على شركة “أمبركس بيوفارما” المتخصصة في تقنية قرائن الأجسام المضادة والأدوية مقابل 2 مليار دولار أمريكي، كما تسعى الشركة الأنجلو- سويدية “استرا زينيكا” للدخول في شراكة مع شركة “دايتشي سانكيو” اليابانية لغرض تطوير نوعين من قرائن الأجسام المضادة والأدوية[26].

وتشترك العلاجات الجديدة لمرض السرطان في بعض الخصائص. فجميعها تتناسب وحالة كل مريض على حدة، ولذا فهي تعتبر أقل ضرراً على جسده. فعلى سبيل المثال، تقوم شركة “استرا زينيكا” بدراسة القرائن الإشعاعية – حيث يتم استخدام الأجسام المضادة أو الوسائط الأخرى- بطريقة مماثلة لتقنية قرائن الأجسام المضادة والأدوية – في استهداف أهداف العلاج الإشعاعي وتحديداً في الخلايا السرطانية وتقديم علاج مناسب لكل مريض.

وهناك تطور جديد مذهل آخر، وهو جهاز الإشعاع الموجه بيولوجياً والمعروف باسم Reflexion X1. يعتمد هذا الجهاز على تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني – والمعروفة اختصاراً بـ PET في توجيه العلاج الإشعاعي بشكل أكثر دقة نحو الخلايا السرطانية. وقد شهد العام الماضي شفاء أول حالة تلقت العلاج باستخدام هذا الجهاز[27].

إن التقدم السريع الذي يتم إحرازه فيما يتعلق بفهم العلماء للسرطان يبعث على التفاؤل بأننا ندخل عصراً جديداً في مجال التصدي للأمراض.

رؤية مشتركة

توضح كل هذه التطورات أن التصدي لمرض السرطان يشمل مجالات خبرة كثيرة ومتنوعة. وينعكس ذلك في العمل الذي تشارك فيه شركة عبد اللطيف جميل للرعاية الصحية في جميع بقاع العالم.

فعلى سبيل المثال، تعد عيادة عبد اللطيف جميل لتقنيات التعلم الآلي في مجال الرعاية الصحية (عيادة جميل Jameel Clinic) بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، في طليعة أبحاث السرطان الدولية. وفي عام 2023، كشف باحثو عيادة جميل عن نموذج للذكاء الاصطناعي يسمى “سيبيل” يمكنه اكتشاف خطر الإصابة بسرطان الرئة في المستقبل[28].

ويتبع نموذج “سيبيل” نهجاً خاصاً لتقييم خطر إصابة المريض بسرطان الرئة اعتماداً على الأشعة المقطعية. وتعد فحوصات التصوير المقطعي المحوسب للرئة بجرعة منخفضة (LDCT) الطريقة الأكثر شيوعاً لفحص المرضى بحثاً عن سرطان الرئة على أمل رصده في المراحل المبكرة، حيث يكون من الممكن إزالته جراحياً. ويأخذ النموذج الفحص للمرحلة التالية، فيقوم بتحليل بيانات التصوير المقطعي المحوسب للرئة بجرعة منخفضة دون مساعدة أخصائي الأشعة للتنبؤ باحتمالية إصابة المريض بسرطان الرئة خلال الست سنوات القادمة.

وتتعاون عيادة جميل أيضاً مع مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في المملكة العربية السعودية لغرض نشر تقنية ميراي في البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن ميرايMirai  من أدوات الذكاء الاصطناعي الرائدة. وتم تطويرها من قبل ريجينا بارزيلاي، رئيسة هيئة التدريس في الذكاء الاصطناعي في عيادة جميل. يمكن لهذه التقنية التنبؤ بسرطان الثدي قبل خمس سنوات، وبشكل أكثر دقة، مقارنة بتقنيات الفحص السائدة الآن. وميراي عبارة عن خوارزمية غير جراحية للتعلم العميق يمكنها التنبؤ بسرطان الثدي باستخدام تصوير الثدي بالأشعة السينية فقط، وهي تعتبر مفيدة وفعالة بالقدر نفسه بالنسبة لمختلف الأجناس والأعراق.

وتأتي هذه الانجازات في أعقاب العمل الرائد الذي صدر عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في وقت سابق، حيث تم تطوير نموذج جديد للمساعدة في تحديد الطفرات التي تسبب السرطان. يقوم النموذج بمسح جينوم الخلايا السرطانية كاملاً بسرعة ويمكنه تحديد الطفرات التي تحدث بشكل متكرر أكثر من المتوقع، مما يشير إلى أنها تحفز نمو الورم. ويمكن أن يوفر ذلك معلومات قيمة لمساعدة الباحثين في تحديد الأهداف المطلوبة من الأدوية الجديدة.

ويقول الدكتور أكرم بوشناقي، الرئيس التنفيذي لعبد اللطيف جميل للرعاية الصحية: “يتزايد عدد مرضى السرطان في كل عام. ولا يمثل هذا المرض مشكلة للدول الغنية وحسب، بل إنه يؤثر بشكل متزايد على الأفراد في الأسواق الأقل نمواً، لا سيما في جنوب العالم”. “ومن خلال الاستثمار في الابتكارات الجديدة في مجالي العلوم والتكنولوجيا، يمكننا في القطاع الخاص أن نسهم في الحفاظ على خط إنتاج الأدوية الثورية التي بها ستقلب الطاولة على مرض السرطان”. “إننا بذلك نحي أملاً جديداً للمرضى في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن موطنهم أو مستوى دخلهم أو وضعهم الاجتماعي”.

  نادراً ما يكون هذا النوع من النهج التعاوني واضحاً. ولكنه سيكون جد ضرورياً إذا ما أراد العالم إحراز تقدماً في مجال التصدي لمرض السرطان. وتؤكد حملة اليوم العالمي للسرطان التي تنطلق في فبراير 2024 على قوة الدعم العالمي لمواجهة مثل هذه التحديات. قد يبدو هدف المبادرة المتمثل في بلوغ عالم خالٍ من السرطان محفوفاَ بالصعاب. لكن دعوة المبادرة إلى أن يحظى جميع مرضى السرطان بفرص متكافئة في الحصول على الرعاية المنقذة للحياة بغض النظر عن ظروفهم ستكون جد ملهمة للكثيرين.


[1] https://www.wcrf.org/cancer-trends/worldwide-cancer-data/

[2] https://aacrjournals.org/cebp/article/29/7/1304/72361/Medical-Care-Costs-Associated-with-Cancer

[3] https://jamanetwork.com/journals/jamaoncology/fullarticle/2801798

[4] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/cancer

[5] https://www.wcrf.org/cancer-trends/cancer-rates-human-development-index/

[6] https://www.wcrf.org/cancer-trends/global-cancer-data-by-country/

[7] https://www.wcrf.org/differences-in-cancer-incidence-and-mortality-across-the-globe/

[8] https://www.who.int/director-general/speeches/detail/cancer-in-developing-countries-facing-the-challenge

[9] https://www.wcrf.org/differences-in-cancer-incidence-and-mortality-across-the-globe/

[10] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/tobacco

[11] https://www.theguardian.com/global-development/2014/jan/03/obesity-soars-alarming-levels-developing-countries

[12] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/obesity-and-overweight

[13] https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpubh.2022.1124473/full#B6

[14] https://www.bmj.com/company/newsroom/global-surge-in-cancers-among-the-under-50s-over-past-three-decades

[15] https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/cancer

[16] https://acsjournals.onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.3322/caac.21763

[17] https://www.nytimes.com/2023/06/16/opinion/cancer-treatment-disparities.html

[18] https://www.cancer.gov/about-cancer/treatment/types/immunotherapy/checkpoint-inhibitors

[19] https://www.mskcc.org/news/rectal-cancer-disappears-after-experimental-use-immunotherapy

[20] https://www.cancerresearch.org/treatment-types/adoptive-cell-therapy

[21] https://www.delveinsight.com/report-store/chimeric-antigen-receptor-car-t-cell-therapy-market

[22] https://www.delveinsight.com/report-store/chimeric-antigen-receptor-car-t-cell-therapy-market

[23] https://www.gov.uk/government/news/major-agreement-to-deliver-new-cancer-vaccine-trials

[24] https://ascopubs.org/doi/10.1200/EDBK_390094

[25] https://broadpharm.com/blog/ADC-Approval-up-to-2023

[26] https://www.ft.com/content/0cb609da-f6b0-4d79-aa84-c972dd60b34e

[27] https://www.businesswire.com/news/home/20230823800478/en/World’s-First-Cancer-Patient-Treated-with-RefleXion’s-Breakthrough-SCINTIX-Biology-guided-Radiotherapy

[28] https://news.mit.edu/2023/ai-model-can-detect-future-lung-cancer-0120

مقالات ذات صلة

للاتصالات الإعلامية، والاستفسارات الصحفية، يرجى التواصل معنا على media@alj.ae، أو الاتصال بنا على رقم 0906 448 4 971+ (توقيت الإمارات العربية المتحدة يسبق توقيت غرينتش بمقدار 4 ساعات)

اتصل بنا

عبد اللطيف جميل للرعاية الصحية

الموقع الإلكتروني: www.aljhealth.com

تابعنا

  • Linkedin
  • Facebook
  • instagram
  • Youtube
 col transparent